ثنائيّة الإيمان بالله وكمال المراقبة


   إبراهيم بر​قان                

أستاذ العقيدة ومقارنة الأديان       

كليّة الشريعة/ الجامعة الأردنيّة     


إنّ ثمّة علاقة بين الإيمان بالله تعالى والمراقبة، فهي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بطبيعة الإيمان بالله تعالى، فإذا كان الإيمان ضعيفًا أو معدومًا، فإنّ المراقبة ستكون ضعيفة أو معدومة، فلا يكترث المرء عندئذ بالمخالفات الشرعيّة، أو أنّه سيؤدي العمل دون إخلاص فيه لله تعالى.

وأمّا إذا كان الإيمان قويّا، فإنّ المراقبة تكون قويّة ومستمرة، فيمتثل المرء أوامر الله تعالى، ويجتنب معاصيه. قال تعالى: )مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ( [ق: 18].

وتكمن حقيقة المراقبة في دوام استشعار مراقبة الله تعالى في السّر والعلن، وأنّ الله تعالى مطلع على الظاهر والباطن، فيعبد المسلم الله تعالى كأنّه يراه، فإن لم يكن يراه، فإنّ الله تعالى يراه، وهذا المقام سمّاه النبي r بالإحسان.

وإذا استمرت هذه المراقبة للعبد في جميع أحواله، فإنّه سيغلب عليه الحياء من الله تعالى؛ فيدفعه إلى توطين نفسه على فعل الحسنات، وترك السيئات، كما روى ابن مسعود y أنّ رسول الله r قال: "استحيوا من الله حقّ الحياء، قال: قلنا: يا رسول الله، إنّا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكنّ الاستحياء من الله حقّ الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله حقّ الحياء". رواه الترمذي.

كما أنّ مراقبة الله تعالى تقوم على التعظيم والإجلال، فلا يلتفت العبد إلى غير الله تعالى، فتستقيم عندئذ جوارحه، ويصبح سلوكه قويما، وخلقه كريما، ويصدر منه ذلك كلّه دون عناء، أو جهد، أو تكلّف؛ لأنّه سيصبح عادة من عاداته، وإلفًا من مألوفاته، وقد تجذّرت في نفسه عميقًا.

وأمّا محبة الله تعالى، فإنّها تقوي المراقبة في القلب، ليجد المسلم حلاوة الإيمان، والانشراح، والاطمئنان. قال الرسول الكريم r: "ثلاث من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار". رواه الإمام مسلم.

وممّا يقوي المراقبة لدى العبد معرفته بكمال الله تعالى من خلال التدبر في آيات الله تعالى المبثوثة في الكون الفسيح، والمكتوبة في القرآن الكريم، ومعاني أسمائه الحسنى، وصفاته العلى.

وهكذا، فإنّه كلما زاد الإيمان زادت المراقبة، وكلما ضعف الإيمان ضعفت المراقبة، حيث يقود الإيمان بالله تعالى إلى محبته تعالى، وخشيته، ورجائه، فينضبط بذلك سلوك الأفراد؛ ليسعدوا في الدنيا بصلاح حالهم، وانتظام معاشهم، وفي الآخرة بالفوز بالجنان، والنجاة من النيران.