منزلة الحياء
الحياء لغة :مشتق من الحياة
والحياء هو: " خلق يبعث على ترك القبيح ، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق"
وقال الجرجاني في التعريفات : الحياء انقباض النفس من شيء، وتركه حذرا من اللوم فيه ، وهو نوعان :
الأول نفساني : وهو حياءٌ جبلي فطري غريزي، وهو الذي فطر الله عليه الناس، كالحياء من كشف العورة
والثاني الإيماني: وهو الحياء الذي يمنع العبد من ارتكاب المعاصي حياءً من الله الذي يسمعه ويراه
وفي سنن الترمذي ومسند أحمد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { استحيوا من الله حق الحياء } قال : قلنا : يا رسول الله، إنا لنستحيي والحمد لله ، قال: { ليس ذاك ، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى ، وتتذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك استحيا من الله حق الحياء}
وقال ابن حبان في روضة العقلاء : إن المرء إذا اشتد حياؤه صان عرضه، ودفن مساويه، ونشر محاسنه، ومن ذهب حياؤه ذهب سروره، ومن ذهب سروره هان على الناس ومقت .
فالحياء دليل على كرم السجية، وطيب المنبت، بل هو صفة من صفات أعظم أهل الأرض وهم الأنبياء والمرسلون، ويكفي الحياء شرفا وفضلا أنه صفة من صفات الله عز وجل ، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين}
قال ابن القيم رحمه الله فإنه حيا كرم وبر وجود وجلال ، وياله من شرف أن يجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحياء في الذروة العليا من أخلاق الإسلام كما في الحديث الذي رواه مالك في الموطأ مرسلا ووصله ابن ماجه وغيره : قال أن النبي صل الله عليه وسلم قال { إن لكل دين خلقا ، وخلق الإسلام الحياء}
وفي الأدب المفرد للبخاري بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي قال:
{ الحياء والإيمان قرنا جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر}
ولقد مدح الله جل وعلا من فوق سبع سماوات المرأتين الكريمتين ابنتي الرجل الصالح في سورة القصص قال تعالى
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَاتَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴿٢٥﴾ )
والاستحياء مبالغة في الحياء المجازي ،مستعارة للتمكن من الوصف، والمعنى : أن المشية كلها حياء. فما أجمل الحياء للمرأة ! وأنا أعجب غاية العجب لامرأة تنسب إلى الإسلام كيف تخرج إلى الشارع بثوب تستحي المرأة الحيية أن تخرج به أمام والدها وأمام أخيها الكبير، وأعجب من هذا الإعلام الذي تعرى من كل مسحة حياء،
وفي مسند أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت جاءت فاطمة بنت عتبة بن ربيعة تبايع النبي صل الله عليه وسلم فأخذ عليها:
يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَبِاللَّهِشَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ
: 12 الآية ، قالت: فوضعت يدها على رأسها حياء، فأعجب رسول الله صل الله عليه وسلم ما رأى منها، فقالت عائشة : أقري أيتها المرأة، فوالله ما بايعنا إلا على هذا ، قالت: فنعم إذا، فبايعها بالآية
ومن الوسائل التي تعين على تقوية الحياء الإيماني :
1- تقوية الإيمان في القلب ، لان الحياء من الإيمان والإيمان يزيد وينقص ، قال تعالى:(هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا):الفتح ٤
2- المواظبة على الصلاة في جماعة لأنها تطهير للعبد من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر
3- مراقبة الله عز وجل في السر والعلانية: قال تعالى:(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)القلم
كما جاء في حديث جبريل عليه السلام المشهور : ما الإحسان ؟ قال : { أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك}
4- تحري الصدق في القول والعمل، لأن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، والبر من الحياء
5- النظر دوما إلى حياء قدوتنا ومثلنا الأعلى الرسول الحبيب محمد صل الله عليه وسلم ، قال تعالى:لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
6- مصاحبة الصالحين والإكثار من النظر إليهم والسماع لهم، ففي الحديث الذي رواه أحمد في الزهد من حديث سعيد بن يزيد الأنصاري أن رجلا قال : يارسول الله أوصني ؟ قال : { أوصيك أن تستحيي من الله كما تستحيي رجلا من صالحي قومك}
7- اعتزال البيئات الراكدة والفاسدة ، والتنزه عن معاشرة قليلي الحياء
8- الإمساك عن فحش القول والعمل
اسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقني وإياكم الحياء ، وأن يرزق نسائنا وبناتنا وأخواتنا الحياء، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال .