الآثار السلبية للتطور التقني على الأسرة المسلمة:
عند الحديث عن آثار التطور التقني على الأسرة المسلمة فإن التركيز غالباً ما يكون على الآثار السلبية للتطور التقني على الأسرة المسلمة والتحديات التي تواجهها، وذلك لأن الأسرة المسلمة لها خصوصيتها وعقيدتها وهي مستهدفة بذلك، ومن المعروف أن الدول المتقدمة اقتصاديا وتقنياً هي المهيمنة على مجمل العملية الاتصالية، وهي لا تكترث بالمحتوى الذي تبثه من خلال الوسائل التقنية المختلفة والذي يتعارض في كثير من الأحيان مع عقيدتنا ومع مبادئ الأسرة المسلمة، وبالتالي تتعرض الأسرة المسلمة لآثار اجتماعية ونفسية واقتصادية سلبية، ومن أهم هذه الآثار: 1- إن محور التنشئة الاجتماعية هو التفاعل بين أفراد الأسرة المسلمة، والتنشئة الاجتماعية ليست عملية أحادية منحصرة في الأسرة أو المدرسة أو الجامعة، وإنما هي عملية تتضمن المشاركة النشطة والتفاعل بين مكونات المجتمع . ونتيجة للتطور التقني أصبحت الوسائل الحديثة شريكاً فاعلاً يسهم في عملية التنشئة الاجتماعية والتربوية، بجانب الأسرة والمدرسة والنادي والمسجد ومراكز التوجيه والتوعية الأخرى ، بعد أن كانت محصورة بالفضاء الأسري والمدرسي، وترتب على ذلك اكتساب مفاهيم اجتماعية وسلوكية غريبة عن المجتمع الإسلامي كالعنف، والجريمة، والإباحية وغيرها من المفاهيم التي تؤثر سلباً على الأسرة المسلمة مما قد يدفعها إلى تصرفات غير مسئولة أو عدوانية أحياناً . وقد بينت الاحصائيات أن 63% من المراهقين يرتادون مواقع تتنافى مع التربية الاسلامية في حين لا يدري أولياء أمورهم طبيعة ما يتصفحونه على الإنترنت، كما تفيد الدراسات ايضاً أن أكثر مستخدمي هذه الصفحات تتراوح أعمارهم ما بين 12 و17 سنة . وان هذه الصفحات تمثل بلا منافس أكثر فئات صفحات الإنترنت بحثا وطلبا . 2- ساهم التطور التقني في تفتيت النسيج الأسري وقلة التواصل الاجتماعي بين أفراد الأسرة، وذلك من خلال قضاء الكثير من وقت الآباء والأبناء في استخدام وسائل التقنية المختلفة من تلفاز، وانترنت، وموبايل ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها كبديل عن الحوار الهادف بين أفراد الأسرة والتواصل والتراحم والتعاون مع بقية أفراد الأسرة والمجتمع . ولقد بينت دراسة بعنوان "أثر وسائل الاتصال والإعلام الحديثة على سلوكيات وقيم الشباب الجزائري" أن أغلبية الشباب الجامعي يقضون ما بين ساعة إلى ساعتين في اليوم أمام شبكة الإنترنت، ومثلها كذلك في مشاهدة القنوات الفضائية . 3- ظهور العديد من المشكلات والخلافات الزوجية نتيجة الخلوة والانشغال المستمر بمراقبة الأجهزة أو استخدامها (جوال، تلفاز، حاسوب)، فإساءة استخدام الإنترنت ساعد على الدخول إلى مواقع أثّرت سلباً على من يراها من الشباب والصغار على السواء (الانحراف الأخلاقي، تنمية مشاعر الانعزال والوحدة، عدم الرضى عن الواقع نتيجة المقارنة بين ما يرى هؤلاء على هذه الأجهزة وبين ما يرى على أرض الواقع) . فجلوس الأبناء أمام هذه الأجهزة لساعات طويلة، بهدف التخلص من إزعاجاتهم، مما أدى على أن يدمنوا عليها، واكتسابهم لخبرات وأفكار غريبة وعنيفة في كثير من الأحيان بسبب عدم وجود رقابة على نوعية ما يشاهدون أو ما يقومون به من أعمال أو تنظيم أوقاتهم . 4- الإفراط في استخدام وسائل التطور التقني من قبل أفراد الأسرة وخاصة الأطفال منهم يؤدي إلى أمراض نفسية كالخوف والوسواس والنوم المضطرب وضعف الثقة بالنفس والقلق والسلوك العدواني وتشتيت الذهن وضعف التفكير والانطواء والخلط بين الواقع والخيال، وعدم تعاون الأطفال مع الغير والشك في سلوك الآخرين وضعف الشخصية والصعوبة في محاورة الآخرين، كما تؤدي إلى تعرض الأطفال للسمنة نتيجة الجلوس الطويل وعدم ممارسة الرياضة أو الحركة بشكل عام وتقلص العضلات وتوتر الأعصاب وآلام اليدين وضعف البصر والتشنجات العضلية والعصبية بسبب التركيز العالي جداً، والتأثير على مستواه الدراسي مما قد يؤثر على نفسيته . 5- أثر التطور التقني بشكل سلبي على حياة الأسرة المسلمة من الناحية الاقتصادية ، حيث حملها أعباء مالية إضافية نتيجة للتطور السريع في وسائل التقنية المختلفة، والرغبة لدى أفراد الأسرة في التغيير ومجاراة التطور هذا التقني ، مما انعكس سلباً على أولويات وأساسيات بناء الأسرة. 6- زيادة اهتمام المجتمع بالثقافة الصورية أكثر من الثقافة المكتوبة، بحيث أصبحت وسائل التطور التقني وخاصة الانترنت بديلاً عن الكتب، وضعفت علاقة الفرد بالمكتبة، مما يؤثر سلباً على اللغة كذلك، وهذا ما يلاحظ من خلال استخدام الرسائل النصية وغرف الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة . 7- طمس الهوية الثقافية للمجتمعات الإسلامية واستبدالها بالهوية الغربية، من خلال زيادة مساحة بث البرامج الأمريكية في التلفزيوني العربي، والتي تكرس القيم السلبية، كما أن هذه الأفلام والبرامج التي تصدر للدولة النامية تتم تحت إشراف وكالات التجسس والمخابرات الأمريكية التي تسعى إلى تصنيع الرأي العام . 8- الاستخدام الخاطئ لوسائل التقنية مثل الموبايل ومواقع التواصل الاجتماعي والانترنت وغرف الشات أدى إلى تكوين علاقات بين الجنسين والتي تخالف مبادئ الشرع الإسلامي مما قد يؤثر سلباً على حياة الأسرة المسلمة ، وقد يترتب عليه انتشار ‏الفساد لما يتم عرضه من مناظر ومشاهد إباحية تسعى إلى محو ‏الهوية والعمل على الانحلال والتفكك الأسري . مما سبق يتضح لنا أن هناك سلبيات لاستخدام وسائل التطور التقني، وبالتالي فإن وسائل التطور التقني تعد سلاحاً ذو حدين، غير أنه لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال، لذلك فإن الأمر منوط بالمستخدم لهذه الوسائل أو المتلقي لها، فإن أحسن استخدامها بشكل إيجابي فلا شك في أنها ستعود بالفائدة على الأسرة المسلمة والمجتمع الإسلامي، وإن استخدمت خلافاً لذلك فهي حتماً ستنعكس سلباً على الأسرة المسلمة والمجتمع الإسلامي، ولذلك لا بد من معالجه السلبيات وذلك من خلال وضع الحلول المناسبة لها وتعريف الاسرة المسلمة بكيفية التعامل معها، وهذا ما سيتناوله المقال القادم إن شاء الله.