حب الوطن غريزة فطرية من غرائز النفس البشرية التي فطر الله عز وجل النفس عليها، لذلك مهما حاول الانسان الإبتعاد عن وطنه ولأي سبب كان فان الحنين للوطن والعودة اليه يبقى ملازماً له في حله وترحاله، لا يفارق التفكير فيه، تماماً كالتفكير في المال والولد والاهل والصحبة. والوطن هو المنزل الذي تقيم فيه وهو موطن الإنسان ومحله يقال أوطن فلان ارض كذا وكذا اتخذها محلا ومسكنا يقيم فيه فهو مولد الرجل والبلد الذي هو فيه. حب الوطن من الإيمان وما أدل على ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما خرج من مكة حين قال: "وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ" ، فيه لهجة حزينة مليئة أسفا وحنينا وحسرة وشوقا وذلك يدل دلالة جلية عل حب الوطن والحنين إليه والدفاع عنه، وكذلك ما روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة ما اطيبك من بلد وأحبك الي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك. وفي حديث آخر بين النبي صلى الله عليه وسلم إن السفر قطعة من العذاب، يعكر صفو الإنسان وصحته، ويحظ فيه على التمسك بالوطن والعودة إليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السفر قطعة من العذاب يمنعُ أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى نهمته فليعجل الى أهله". وبما ان أطفالنا وشبابنا وأبنائنا يمثلون غالبية المجتمع وهم عماده وبهم نهضته، فلا بد من تربيتهم تربية صالحة تعنى بشتى نواحي الحياة والتى من أهمها تنمية وغرس مفهوم حب الوطن لديهم تعزيزاً للفطرة التي خلقوا عليها، ولتحقيق ذلك يجب الإهتمام والتركيز على الإمور التالية التي من شأنها تنقية النفس وغرس حب الوطن: 1. التمسك بكتاب الله وسنة نبيه عليه السلام لما فيهما من الآيات والاحاديث التي تدعو الى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع عن الوطن، وطاعة أهل العلم وولاة الأمر وغير ذلك الكثير من القيم الإسلامية الأصيلة التي تربي النشئ التربية الصالحة مما ينعكس ايجابياً على الولاء والإنتماء للوطن. 2. ترسيخ مفهوم حب الوطن في مراحل مبكرة من عمر الابناء، بدءا من البيت والمدرسة ودور العبادة، بالإضافة الى تفعيل دور الإعلام (المرئي والمسموع والمكتوب) في غرس مفاهيم الولاء والإنتماء للوطن لما له من اثر كبير في على المجتمع في عصرنا الحاضر. 3. الإرتقاء بالإنظمة والقوانين التي من شأنها توفير العدالة والحياة الكريمة لإبناء الوطن، مما ينتج عنه ترسيخ حب الوطن والإنتماء اليه والحرص عليه. 4. التركيز على التعليم واللغة وتعزيز الثقافة الوطنية وزرع حب الوطن لدى النشئ، ذلك ان التعليم هو الاساس في رقي وحضارة الامم، قال تعالى: "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، ولنتذكر أن رسالة هادي البشرية عليه السلام أول ما ابتدأت به هي كلمة "إقرأ"، وذلك دلالة على أهمية التعليم والتي بكل تاكيد ستنعكس بشكل إيجابي على حب الوطن والإنتماء إليه. 5. تعويد الابناء على التضحية من أجل الوطن ونبذ حب الذات وذلك من خلال تقديم العون والمساعدة للاخرين، والمشاركة في المناسبات الوطنية المختلفة، وتعزيز المفاهيم السامية التي جاء بها كتاب الله وسنة نبيه عليه السلام من تكافل وتعاون وتراحم بين ابناء الوطن ليكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا في السراء والضراء. مما تقدم يتبين لنا أن حب الوطن هو انتماء حقيقي، وإحساس بالمسؤولية الحقيقية ووفاء وانتماء، فحب الوطن ليس بشعارات براقة هدفها الكسب وحب الذات من إجل فئة قليلة، ولا بمزاودات يتنافس فيها ابناء الوطن مخلفين البغضة والفرقاء بينهم، بل على العكس من ذلك يجب أن يكون تنافسا ايجابيا نتسابق فيه بالولاء والإنتماء والتضحية من اجل الوطن، كل من موقعه وحسب مقدرته، فحب الوطن ليس وسيلة للتعبير وإنما هو ممارسة وسلوك. وختاماً، استذكر قول ابو فراس الحمداني: بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام
|