أما في المجتمع الإسلامي ،فقد قامت الأسرة وتحددت مهامها وأدوار أفرادها على أسس من الرسالة السماوية (القرآن الكريم) ومن التطبيق الإنساني لهذه الرسالة (السنة النبوية)، ومن ثم فإن المفهوم الإسلامي للأسرة يقوم على مراعاة خصائص الفطرة الإنسانية وحاجاتها ومقوماتها، وينبثق نظام الأسرة في الإسلام من معين الفطرة وأصل الخلق وقاعدة التكوين الأولى للأحياء جميعاً وللمخلوقات كافةً، ويبدو ذلك واضحاً في قوله تعالى: ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون )، كما يتضح في قوله تعالى:( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) . ويشير بعض التربويين الى أن مقاصد الإسلام من تكوين الأسرة تقوم على أساس مراعاة الفطرة الإنسانية، ومراعاة الواقع الإجتماعي، ومن هذه المقاصد التناسل، وهو ميل بشري حيث يرى الشخص امتداد حياته في الأبناء والأحفاد، وصدق الله حيث يقول: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) ، والمقصد الثاني: هو عمارة الأرض بما يشمله ذلك من بناء مجتمع متماسك يقوم على مقومات زراعية وصناعية وتجارية وعلمية وغيرها، قال الله تعالى: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) .أما المقصد الثالث للإسلام من تكوين الأسرة فهو الحرص على التنشئة الإجتماعية السليمة الواعية في جو تسوده الألفة والعدل والمساواة بين الأبناء، ويحض على الفضائل ومكارم الأخلاق، ويبتعد عن الرذيلة والفحش في القول والعمل، وحرية التفكير والإستقلالية في اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية.والمقصد الرابع هو تربية النفس البشرية ورعايتها، فهي تتسم بالفردية وأنها تتشكل عن طريق التربية والتعليم، وحسب ما تسمح به قدراتها وامكاناتها، قال الله تعالى:( ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها )، كما أن هذه النفس لها قدرتها على التأمل والتفكير، قال الله تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) .وعلى أسرة المستقبل أن تسعى الى تبني مفهوم التربية المستدامة في تربية أبنائها، مصداقاً لما روي في الأثر من : (أن المرء يظل عالماً، فإن ظن أنه علم فقد جهل) ، وقد جاء في التقرير الشهير لمنظمة اليونسكو ما عنوانه: ( تعلم لتكن ) ، ويعني ذلك أن تربية الأبناء وتعليمهم ليس مجرد وسيلة لتلبية مطالب المجتمع ورغبات أفراده، بل نزعة انسانية أصيلة، وهدف في حد ذاته، لكونه المدخل الى حياة أكثر طمأنينة و إنسانية .كما يجب على أسرة المستقبل أن تتبنى مفهوم التعلم الذاتي ويعني محاولة الانسان تعليم نفسه بنفسه، بحيث تتم هذه العملية وفقاً لقدرات الأبناء الشخصية، ووفقاً لإستعداداتهم وميولهم واتجاهتهم، كما يتطلب اكسابهم عادات العمل، واستثارة الدوافع التي ينبغي أن تنمى فيهم منذ الطفولة . ومع بزوغ مفهوم العولمة الذي يدعو إلى إزالة الحواجز التي تفصل بين المجتمعات والشعوب سواء كانت اقتصادية أو ثقافية أو سياسية أو غيرها، وبالرغم من عدم تبلور ووضوح هذا المفهوم على أرض الواقع، فإن الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم يتحتم عليهما القيام بأدوارهما التربوية، للمشاركة في تشكيل مفهوم العولمة على أرض الواقع الإنساني، وفق ما يرتضيه الخالق عزوجل، ولعل ما يدفعنا إلى ذلك: هو أننا أمة تحمل آخر رسالة سماوية وتربوية، ومن ثم فالمهمة تحتاج إلى التفكر والسعي لنشر هذه الرسالة في المجتمعات المسلمة لتصحيح فهمها لدورها التربوي، وكذلك في المجتمعات الأخرى لتوجيه مساراتها التربوية التي يشوبها النقص أحياناً، والإنحراف احياناً أخرى.
هاتف 5355000/فرعي 23688
فاكس من داخل الجامعة 23686
ص.ب 11942 عمان - الأردن
E-mail: islamiccenter@ju.edu.jo