النفل لغة(1): هو الغنيمة بعينها لكن اختلفت العبارة عنه لاختلاف الاعتبار، فإنه إذا اعتبر بكونه مظفورا به يقال له: غنيمة، وإذا اعتبر بكونه منحة من الله ابتداء من غير وجوب يقال له: نفل، ومنهم من فرق بينهما من حيث العموم والخصوص، فقال: الغنيمة ما حصل مستغنما بتعب كان أو غير تعب، وباستحقاق كان أو غير استحقاق، وقبل الظفر كان أو بعده. والنفل: ما يحصل للإنسان قبل القسمة من جملة الغنيمة، وقيل: هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال، وهو الفيء. وقيل هو ما يفصل من المتاع ونحوه بعد ما تقسم الغنائم، وعلى ذلك حمل قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) الأنفال: ١ الآية ، وأصل ذلك من النفل. أي: الزيادة على الواجب، ويقال له: النافلة. قال تعالى: (وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) الإسراء: ٧٩ ، وعلى هذا قوله: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ) الأنبياء: ٧٢ ، وهو ولد الولد، ويقال: نفلته كذا. أي: أعطيته نفلا، ونفله السلطان: أعطاه سلب قتيله نفلا. أي: تفضلا وتبرعا والنوفل: الكثير العطاء، وانتفلت من كذا: انتقيت منه.
موضوعات سورة الأنفال تقسم سورة الأنفال بما يتناسب مع الموضوعات التي تمت معالجتها إلى أقسام مختلفة: الأول – الأنفال وصفات المؤمنين. الثاني – سبب خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتأييد الله لهم. الثالث – النداءات المتكررة وصفات المؤمنين في أرض المعركة. الرابع – مكر الكافرين واستخدام جميع الوسائل للكيد بالمؤمنين. الخامس – وصف أرض معركة بدر ومواقع الجيوش. السادس – الإشارة إلى المنافقين أثناء الحديث عن الكافرين وبيان تبعيتهم للشيطان. السابع – فضل الله على الأمة بتأليف قلوبها ووجود نبيها ونصر الله لها. الثامن – الأسرى وكيفية التعامل معهم وحكم الله فيهم. التاسع – الولاء بين المؤمنين، والبراء من الكافرين. عد الآي( 2): وهي في الشامي سبع وسبعون آية، وفي البصري والحجازي ست وسبعون وفي الكوفي خمس وسبعون. والمختلف فيه ثلاث آيات هي: 1- (ثم يغلبون)... عده البصري والشامي. 2- (كان مفعولا)... وهو الموضع الأول، ترك عده الكوفي. 3- ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ) ترك عده البصري. مناسبتها للسور قبلها: من الملاحظ أن كثيرا من المفسرين لم يهتموا بالمناسبات بين السور، فلم يذكرها في هذا الموضع الطبري والزمخشري والقرطبي وابن كثير وابن عطية وابن الجوزي، واهتم بذكرها الإمام الألوسي فقال:"ووجه مناسبتها لسورة الأعراف أن فيها ( وأمر بالعرف ) وفي هذه كثير من أفراد المأمور به وفي تلك ذكر قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم وفي هذه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر ما جرى بينه وبين قومه، وقد فصل سبحانه وتعالى في تلك قصص آل فرعون وأضرابهم وما حل بهم، وأجمل في هذه ذلك فقال سبحانه وتعالى: ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الأنفال: ٥٢ ، وأشار هناك إلى سوء زعم الكفرة في القرآن بقوله تعالى: (وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) الأعراف: ٢٠٣ ، وصرح سبحانه وتعالى بذلك هنا بقوله جل وعلا: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) الأنفال: ٣١ ، وبين جل شأنه فيما تقدم إن القرآن هدى ورحمة لقوم يؤمنون؛ وأردف سبحانه وتعالى ذلك بالأمر بالاستماع له والأمر بذكره تعالى، وهنا بين جل وعلا حال المؤمنين عند تلاوته وحالهم إذا ذكر الله تبارك اسمه بقوله عز من قائل: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) الأنفال: ٢ إلى غير ذلك من المناسبات. والظاهر أن وضعها هنا توقيفي وكذا وضع براءة بعدها وهما من هذه الحيثية كسائر السور وإلى ذلك ذهب غير واحد"(3 ). أسماء السورة: سميت بسورة الأنفال، وتسمى أيضا سورة بدر؛ ففي الإتقان أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الأنفال قال: تلك سورة بدر(4 ). المكي والمدني: أجمع المفسرون على أن سورة الأنفال مدنية، واختلفوا في الآيات المكية فيها على ثلاثة أقوال: 1- جميع السورة مدنية. هي مدنية كلها كذا قال أكثر الناس( 5). وهي مدنية بإجماعهم(6 ). 2- جميع السورة مدنية عدا آية واحدة. هي مدنية كلها كذا قال أكثر الناس، وقال مقاتل هي مدنية غير آية واحدة وهي قوله تعالى: ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) الأنفال: ٣٠ الآية كلها وهذه الآية نزلت في قصة وقعت بمكة ويمكن أن تنزل الآية في ذلك بالمدينة، ولا خلاف في هذه السورة أنها نزلت في يوم بدر وأمر غنائمه(8 ). 3- جميع السورة مدنية عدا سبع آيات. وهي مدنية بإجماعهم. وحكى الماوردي عن ابن عباس أن فيها سبع آيات مكيات( 7)، أولها: ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ) الأنفال: ٣٠ الآية. إذاً فسورة الأنفال هي السورة الأولى التي أعلن فيها عن بدء نشأة دولة الإسلام كقوة مركزية، عسكرية، لها قوة نافذة ومؤثرة في جزيرة العرب، ويجب أن يحسب لها ألف حساب، قوة قائمة على إقامة العدل بين الناس؛ من خلال شرع الله، قوة تعمل على بناء صرح شامخ، قائم على تربية إيمانية في قلوب المؤمنين، وتربية بدنية جسدية؛ يتحقق من خلالها رفع المعنويات؛ حتى يصل الأمر أن يقاتل المقاتل المؤمن عشرة من الذين كفروا!. في بداية السورة يظهر لنا قوة الإستجابة، وسرعة الإستجابة، والإمتثال والطاعة لله ولرسوله؛ وذلك أن المشكلة التي حصلت بعد انتهاء المعركة تركزت على قضية الأنفال، وهي من القضايا الثانوية؛ والتي لم يستغرق حلها إلا نصف آية! ثم انتهت تلك المشكلة؛ استجابة لأمر الله (الأنفال لله والرسول). هذه النفوس المؤمنة التي يجب أن تقوم ببناء دولة الإسلام، والتي أوكلت إليها أعظم مهمة في تاريخ البشرية، ما كان لها أن تلتفت إلى لعاعات الدنيا؛ لأنها صاحبة رسالة خالدة، وظيفتها إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ذل الدنيا إلى عز الدنيا والآخرة. لذلك إذا كنتم تظنون أن الدنيا لها قيمة؛ فإن ما عند الله خير وأبقى، وإذا كنتم تظنون أن السيف والعير والبعير هدف، فالهدف الذي يريده الله لكم فوق ذلك؛ وأسمى من ذلك؛ يريد لكم أن تكونوا قادة الدنيا وسادتها بالعدل والشرع واتباع منهج الرسول الكريم. لذلك جاءت سورة الأنفال لتبني أمة، لتبني دولة الإسلام، لتبني منهج الجهاد؛ القائم على العدل وإرادة الخير للناس أجمعين، لترتقي بالأنفس حتى ترتبط برب الدنيا والآخرة، ولتتلاقي تلك الأنفس المؤمنة بالملائكة الأطهار؛ لإزالة الكفر والشرك من الأرض.
1 - الراغب الأصبهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن. تحقيق: عيتاني، محمد خليل. دار المعرفة، 1420هـ - 1999، ص(504-505).
2 - شكري، د. أحمد خالد، الميسر في علم عد آي القرآن . معهد الإمام الشاطبي، جدة. 1433هـ-2012م، ص138. الألوسي، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، المحقق: عطية، علي عبد الباري، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1415 هـ، ج(5)، ص(147).
3 - الألوسي، روح المعاني ، ج(5)، ص(148). 4 - ابن عاشور التونسي، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر – تونس،1984 هـ، ج(9)، ص(245). 5 - ابن عطية الأندلسي، أبو محمد عبد الحق بن غالب، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق : عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية - لبنان - 1413هـ ـ 1993م، ج(2)، ص(567). 6 - ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي، زاد المسير في علم التفسير، المحقق: عبد الرزاق المهدي، الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة: الأولى - 1422 هـ، ج(2)، ص(186).
7 - ابن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز ، ج(2)، ص(567). 8 - ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، ج(2)، ص(186).
|