يتساءل العديد من الناس في معظم دول العالم عن دورالتربية في بناء إنسان اليوم؟ وعندورها في بناء الانسان في عالم عاصف؟وهل تسير النظم التربوية في عالمنا العاصف في مسارسليم ؟ وهل تبني هذه النظم الإنسان الصالح أم المواطن المقولب المعولب؟ وهل تسيرهذه النظم في مسارصائب أم في مسار متذبذب مماليء ؟ ألاتتحكم بسلوكيات مخرجات هذه النظم قرارات وقوى متعددة ومتداخلة قد يصعب فهمها؟ الا يقف البعض في لحظة من صحوة ضمير متسائلاً وباحثاً عن أبدال الخروج من هذا التيهفي بناءالإنسان ؟ إن الدول كمَا الأفراد تعيش مواقف وازدواجيات،وأحيانا تناقضات في تعاملها مع نظمها الاجتماعية .... وربّ قائل أين الجواب الأنسب؟ أليس هناك أسس لهذه المواقف تسند إليها ؟ ألا توجد هناك معايير؟ أليس هناك منطلقات أخلاقية تستند إليها عند اتخاذقراراتها ؟ لماذا كل هذا التيه ؟ وما مبرر ما نشاهده في عالمنا من توجه نحو مصالحنا الضيقة على حساب الصالح العام؟. إنما يحتاجه عالمنا / أو لنقل قريتنا الصغيرة،للتعامل مع كل هذه التساؤلات وكثيرٍغيرها،لا يكمن فقط في رؤية الظلم أو الجور أواللاأبالية التي تعيشها البشرية ومؤسساتها المختلفة أحيانا ؟إن ما نحتاجه هو تحقيق نوع من التناسب والموازنة بين بعدي الخير والشر فينا، بين ما هو أخلاقي وماهو غير ذلك، نعم يحق لنا أننجتهد ولكن هل يتناسب اجتهادنا ويتساوى مع ما هو مناقبي وأخلاقي ومفيد وممكن؟ هناك حاجة ماسة إلى عقلنة مسئولة لاستعادة المنظورية المناقبية الأخلاقية للعلاقة بين فهمنا من جهة واتجاهاتنا ثم سلوكاتنا من جهة أخرى، إن فهمنا المعقلن يتطلب مناأن ندرك زخم المتغيرات التي تحاول التاثير على كيفية هذا الفهم .... علينا أن ندرك ان الأموروكيفية فهمها والتعامل معها وعبركل الثقافات والحضارات الإنسانية تتلون بالمصالح والاهتمامات التي تؤثر في نوع هذا الفهم وكيفه، إن بعض الفهم يقع ضمن وعي الفرد وإدراكه وبعضها الآخر راسخً في مستوى اللاشعور لديه، وغالبا ما لا يكون واقعا ضمن هامش وعيه وادراكه..... لذلك كثيراًما تتصادم المصالح والأحاسيس لدينا خاصة في حالة شح البيانات والمعلومات، مما يدفع بالإنسان لأن يعيش في مناخات من اتجاهات ومشاعر وأحاسيسعدم الحول و القوة . إنسان اليوم بحاجة إلى تربية تطور لديه اتجاهات يتجاوز فيها بُعد (الانا)على مستوى الفرد الى بعد (النحن) نحن بحاجة إلى تطويراتجاهات تُعظّم من قيمة الصالح العام والخير للجميع أكثر مما تنكفىء على الصالح الخاص ...اتجاهات تعظم الإنسانية لاالقطرية .... اتجاهات تُعزز بُعد المناقبية الأخلاقية فينا . إن مرورالعالم بظروف اقتصادية واجتماعية صعبة،وما نلحظة من تغير فيأولويات الناس وانحدار في منسوب الثقة والمناقبية في مناخات مجتمعاتنا الإنسانية ... كل هذا وغيره يشكل تحدياً لنظمنا السياسية والتربوية على حد سواء، ولعل الاهمهو ما يشكل من تحد لنظمنا التربوية في أشكالها الثلاثةاللارسمية(الأسرة مثلاً ) وغير الرسمية ( النادي الجامع و الكنيسة الإعلام...)، والرسمية ( المدرسة بمراحلها وأشكالها المختلفة ) . إن تفاقم الظروف المعقدة التي تعيشها الإنسانيةاليوم، وتحكمّ سيطرة البعد السياسي الممصلح جعل النظم التربوية تبدوكأنها غير ذات قيمة كمدخل في البحث عن الحياة
الإنسانيةالأفضل أوالسلام والتفاهم بين الشعوب والأمم....مع أن الحقيقة الساطعة أنه لا سلام ولا فلاح انسانياًدون التربية السليمة ....تربية ناضجة واعية مسؤولة. الحقيقة أنالأزمة التي يعيشها العالم اليوم هيأزمة تربوية أولا وقبل كل شي ... في الماضي مثلاً كانت هناك علاقة طردية بين التقدم في المستوى التعليمي للفرد و زيادة دخله.. أمااليوم فالأثر قد يكون معكوساً، فلم تعد الدخول المادية للأفراد تتنامي بالضرورة بالتقدم التعليمي للفرد ..." تربية الأمس "كان همها تربية العقول المستبصرةأما"تربية اليوم "فمعنية أولاً بتربية العقول المعولبة الممالئة..... العقول المقولبة ..!!... لكن الحقيقة التي لا يجب أن تكون موضع أي شك هي أن الأهمية القصوى في كل المجتمعات البشرية تبقي لنظمها التربوية بأشكالها الثلاثة (اللارسمية وغير الرسمية والرسمية ) وعلينا أن نحسنَ توظيفها ، ونعرف كيف نتعامل معها، وما من مجتمع إنساني ناجح يحترم إنسانيته الا ويضع نظمه التربوية من أولىأولوياته . إن قيمة النظم التربوية المعافاة والمتمتعة بالصحة الايجابية تكمن في مقدرتها على أن تغرس في مخرجاتها المقدرة على التفكير باستقلالية ، والمقدرة على القراءة بتبصر ودراية وفطنة، والمقدرة علىالإصغاءوالإنصات بنقدية ، والمقدرة على التحليل بشمولية، والمقدرة على التحدث بإقناع ، والمقدرة على العدالة والموضوعية في إصدارالإحكام ، والمقدرة على التصرف بحزم ، والمقدرة على احترام الرأيوالرأي الآخر ، والمقدرة على تعزيز النضج العاطفي والانفعالي في مدخلاتها البشرية، والمقدرة على احترام و تثمين الإنسانية ، وأخيرا المقدرة على إدراك قوة الله وهيمنته على هذا الكون. إن مقاييس العظمة في المجتمعات البشرية لا تكمن في تقدم جيوشها ومقدرتها على التدمير، انما تكمن في مقدرتها على البناء والإعماروخدمة البشرية والتصرف بمسؤولية في الأزمات والعواصف،وهذه منتجات تربوية في جوهرها بذورها أخلاقية.إن منطلقات الأمم الناجحة تكمن في جودة نظمها الاجتماعية وعلى رأسها النظام التربوي الذي يفترض أن تكون له الأولوية في الاهتمام، حتى لا تصاب البشرية بفيروس اللامبالاة والعبثية والعصبية والعمىالإنساني وبالتالي تدمر نفسها بنفسها ...... هذه بالنسبة لي أصدق معايير للحكم على جودة النظم التربوية أو فشلها . إن التحدي الحقيقي الذي يعيشه العالم، وقد دخل في القرن الحادي والعشرين ،وهو قرن تتلاطم فيه الأمواج والمصالح ... التحدي الحقيقي يكمن في التأكيد على البعد المناقبي الذي يعيشه ، بمعنى آخر بعده الأخلاقي بكل ما فيه من قيم ومضامين أخلاقية.. هذه القيم وهذه المضامين يجب أن تبثَ في كل مرحلة من مراحل نظمنا التربوية، حتى تبزع في هذا العالم أجيال قادرةعلى ممارسة الحكم الموضوعي الناضج المسئول .... أجيال لاتحركها الانفعالات أوالتهويشات الإعلاميةوالأطماع الشخصية أو قولبات مسيسة، بل أجيال تحركها الحكمة والمناقبية والعقلانية والرشد، لنصل بالبشرية إلىالسلام المنشود الذي ينطلق من مزاوجة حقيقية وناضجة بين معايير الأرض ومعاييرالسماء، وضمن إدراك عميق أن هذه الدنيا فانية،وأن كل من عليها فان، وأن الكيّس الفطن هو من استبصروتعمق لا من تهافت وتملق!!
|