الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين. التسامح هو العفو و الصفح عن ذنب المذنب و عدم مؤاخذته بذنبه فلا يعاقب المسيء ولا يقابل بمثل صنيعه ، فالتسامح مبدأ عظيم، كلنا خطاءون وكلنا نذنب ونحتاج إلى الصفح والمغفرة، وكم قسونا و كم تجاوزنا الحدود و الذي يبقى في النهاية بكل تأكيد هو التسامح. و الصفح الجميل من صفات المؤمنين التي أوصانا بها الله و رسوله, فتوجب علينا إذاً أن ننسى الأذى حتى نبدأ حياة جديدة خالية من الضغائن والأحقاد, فالتسامح هو من صفات رسولنا الكريم، و يجب علينا الاقتداء به وأن نجعله لنا أسوة حسنة, إن التسامح إنه الطريق إلى الله و الحب و السعادة, هو الجسر الذي نعبر عنه إلى السكينة والأمان و إنه يعلمنا أن الحب أساس السعادة، فالتسامح يطهّر القلب و الروح و يجعلنا على صلة بكل من هم بين ظهرانينا. التسامح هو أن ننسى الماضي الأليم بكامل إرادتنا, إنه القرار بأن لا تعاني أكثر من ذلك و أن تعالج قلبك و روحك, و لا تجد قيمة لِلكُره أو الغضب و إنه القدرة على أن نفتح أعيننا على مزايا الآخرين بدلا من عيوبهم, ما قيمة الحقد و الكراهية بين من سيعودون تراباً عن قريب, و ما معنى الغيظ و البغض و نحن قريبا راحلون و للدنيا مفارقون و لنعيمها تاركون, فالتسامح هو الممحاة التي تزيل آثار الماضي المؤلم, قال تعالى: (...وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى...) سورة البقرة من آية 237, وقال تعالى: ( خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ)، سورة الأعراف آيه (199), فالتسامح يجعل عبء الحياة أقل ثقلاً مما هي عليه, و هو من أقصر الطرق إلى الله , قال صلى الله عليه وسلم : "من كظم غيظاً و هو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء". روي أن سارقاً دخل خِباء بن ياسر بصفين فقيل له إقطعه فإنه من أعدائنا, فقال بل أستر عليه لعل الله يستر علي يوم القيامة . و جلس ابن مسعود في السوق يبتاع طعاماً فابتاع ثم طلب الدراهم و كان في عمامته فوجدها قد حُلّت, فقال لقد جلست و إنها لمعي, فجعلوا يدعون على من أخذها و يقولون: اللهم اقطع يد السارق الذي أخذها, اللهم افعل به كذا, فقال عبدالله: اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها و إن كان حملته جرأة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه. و كان في مقدمة من سلك هذا المنهج رسول الله صلى الله عليه و سلم و اقتدى به كل صاحب نفس كبيرة و همة عالية, احتمالاً للناس و صبراً عليهم و قبولاًبما تيسر من أخلاقهم و حسن تعاملهم و تغاضياً عن هفواتهم . قال تعالى: (...وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) سورة آل عمران من آية (134). و قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :"أعقل الناس أعذرهم للناس", و قال الإمام الشافعي: " لما عفوت و لم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات. و من أشهر الأقوال المأثورة " التسامح زينة الفاضل". و كما قال ابن تيمية ماذا يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي و بستاني في صدري, أين رحت معي لا تفارقني, أنا حبسي خلوة, و قتلي شهادة, و إخراجي من بلدي سياحة. فهيا بنا نتسامح و نصفح لعل الله ينظر إلينا بعين الرضا، و يدخلنا جنات عرضها كعرض السموات و الأرض, و لا ننسى أن الله يأخذ لنا حقنا ممن ظلمنا أو أساء إلينا، و إن تسامحنا أو صفحنا إلا أن يستغفر المذنب و يُرجع الحق إلى أهله, فعاشر بمعروف و سامح من اعتدى و فارق و لكن بالتي هي أحسن.
|