و نحن نعيش في ظلال هجرة خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الحدث العظيم الذي كان بشرى ميلاد أمة خرجت من ظلمة الجاهلية المقيته و ما يتبعها من استكبار في الأرض و استعباد و ظلم إلى نور التوحيد و ما معه من العلم و العدل, ومن قبائل متفرقة متناحرة مختلفة منسية إلى أمة متحدة معتصمة بالله لها مبادئ و تجمعها أسس , سقطت أمام جحافلها عروش الأكاسرة و الأباطرة و اهتزت عروش الظلم في الأرض جميعها. و لا ننظر إلى الحدث العظيم الذي هو حقا و انصافا أعظم حدث في تاريخ البشرية، فلم يؤثر حدث و يمتد تأثيره في الأرض كما أثرت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ليضع أسس الدولة الإسلامية العظيمة. و ينتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى و يخلفه أبو بكر الصاحب في الغار، ثم يخلفه أمير المؤمنين عمر الفاروق الذي يشترك هو و أبو بكر بشرف الدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن نود أن نشير هنا إلى أن للفاروق ايضا دوراً عظيماً في الهجرة، دوراً خالداً تدين له به أمة الإسلام إلى يوم القيامة. دوراً لا يصدر إلا عن عبقرية التقوى لذلك الصلب حين هاجر الجميع خفية إلا هو، فقد هاجر بعزة قائلا من أن أراد أن تثكله أمه فليتبعني, ففي العام السابع عشر للهجرة نظر في البريد فقال أي شوال هذا , أي ذو القعدة هذا، فجمع الصحابة الكرام ليبلغهم عزمه على اتخاذ تقويم و تاريخ تتميز به الأعوام و الشهور، قال أحد الصحابة نؤرخ بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفض عمر, و قال آخر نؤرخ بالبعثة ، فرفض عمر و قال الفاروق بل بالهجرة , فكر عبقري , فكر تقي , فكر من يعلم أن الدنيا مزرعة الآخرة و أن الآخرة خير و أبقى , قد تتسائل لماذا ؟. إليك الجواب. يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأهجرته في شهر صفر، و وصل إلى المدينه في ربيع الأول يوم الإثنين، و لذا فإن كان التأريخ بالهجرة فالمفروض أن يكون شهر ربيع الأول هو أول شهر لبدء السنة الهجرية، و لكن الفاروق بكل الوقت والإيمان و بمعرفته بمعنى الوقت والميزان، و بمنة منه على أمة الإسلام، اقترح أن يكون المحرم أول شهر في العام, ليبدأ المسلم عامه بشهر حرام تضاعف فيه الحسنات ( ونحن نعلم فضل هذ الشهر الكريم) و يختم عامه بشهر حرام ( ذو الحجة) عسى الله أن يرحم و يغفر ما بينهما أي فكر و تقوى وعظمة و إنكار لحظوظ النفس وحب للمسلمين أيها الفاروق رضي الله عنك. قال تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) سورة التوبة آيه (36) و احتمل قوله تعالى : (لا تظلموا فيهن أنفسكم ) أن الضمير يعود على الأشهر الحرم لكون الظلم فيها أشد من غيرها و حيث إن الحسنات أيضا تضاعف، و كان هذا معلوما قبل الإسلام و لعل اسم الشهر بعد محرم (صفر) يظهر ذلك حيث إن معنى صفر أي صفرت البيوت من الرجال لذهابهم للقتال بعد ثلاثة أشهر لم يقاتلوا فيها, فالأشهر الحرم ثلاثة سرد و واحد فرد, ذو القعدة, ذو الحجة , و المحرم( السرد) و أما الفرد رجب, فتكون الشهور على النحو التالي 1. المحرم 2. صفر 3. ربيع الأول 4. ربيع الثاني 5. جمادى أول 6. جمادى ثاني 7. رجب 8. شعبان 9.رمضان 10.شوال 11.ذو القعدة 12. ذو الحجة.
|